لم تكن حياتنا على هذا الكوكب قبل خمسة أشهر أشبه بحالها الآن أو كما يمكـن لنا وللعالـم أجمع تصـورها أو تـخيل ما سيصير تبعًا لهذا الوباء الذي غير قوانينها وشل أركانها واقتصادها وحوّل كل تركيزنا وانتباهنا وعبقرية علمائنا تجاه صحتنا ووقايتنا.
وبالرغم من أن جائحة كورونا لم تكن هي أولى الجوائح التي هاجمت هذه الأرض، فهناك إيبولا وسارس والإنفلونزا الإسبانية والطاعون الأسود وغيرها ولكنها -جميعها- لم تفعل أو تصل لحجم الضرر الذي خلفه “كورونا الجديد” في عصرنا الحديث وموارده قياسًا على العالم أجمع.
كورونا في مجمل تفاصيلنا
ومن خلال متابعتنا اليومية لقنوات الأخبار والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى في تقارير أعمالنا ووظائفنا ومع أصدقائنا وفي بيوتنا وحديثنا مع أهالينا ألقت هذي الجائحة بظلالها على الجزء الأكبر من وقتنا وخططنا لا سيما ونحن نعيش في عزلة وحجر منزلي ومنع للتجول في معظم دول العالم.
نحن والسفر قبل خمسة عشر عامًا
وبالرغم من تقارب المسافات بين الدول وسهولة التنقل لها وبينها عبر وسائل عدة متاحة في جميع الأوقات وبأسعار تنافسية لم تكن بمثل طاقتها قبل عقد ونصف، إلا أن كل هذه السبل قد تعطلت وأغلقت معظم دول العالم حدودها وأوصدت أبوابها وعلقت رحلات الطيران فيما بينها وبين مدنها ، وحتى الدول القائم اقتصادها على السياحة والنقل الجوي لم تتوانى في ذلك حفاظًا على أرواح وسلامة وصحة مواطنيها.
حجم الضرر والخسائر
لم يُلقِ وباء كورونا بثقله وعبئه على القطاعات الصحية فقط، بل تكبدت أيضًا جميع قطاعات السياحة حول العالم وشركات الطيران خسائر تجاوزت آلاف المليارات حسب الإحصاءات الأولية المسجلة لدى المجلس العالمي للسياحة والسفر نتيجة التوقف ومنع السفر وإغلاق الدول والنقاط السياحية، وانهارت بعض الشركات وأعلنت إفلاسها وخفضت من ميزانياتها واستغنت وسرحت العديد من موظيفها وستتواصل خسائرها حتى بعد عودة السفر في هذا العام والعام الذي يليه نتيجة الإجراءات والقيود التي ستُفرض في حال عودته، والكثير من عادات الطيران ستتغير، وستعمل معظم شركات الطيران بطاقة لن تفوق 30% عند بداية الاستئناف مطلع الأشهر القادمة وبنسبة قد تصل إلى 50% بحلول نهاية العام، ومثلها باقي قطاعات السياحة تماشيًا مع سياسات التباعد والوقاية، وكل ذلك قد يكون أيضًا عرضة للانخفاض مجددًا بناءً على معطيات تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا.
كيف ومتى سنعود للسفر؟
ومع بدء موسم الإجازات والعطلة الصيفية التي اعتدتم السفر فيها كأفراد وأسر، يتساءل كثير منكم عن عودة الرحلات الخارجية وكيفية السفر وماهي الشروط والإجراءات؟ وحول هذا فقد أكدت معظم الدول أن عودة الطيران الخارجي والسماح بالدخول والخروج لمواطنيها وغيرهم سيكون خاضعًا ومرتبطًا بالبيانات الحكومية والتدابير الوقائية الخاصة بكل دولة وتقييمها بشكل مستمر، وفي هذا الصدد أوصى الاتحاد الدولي للنقل الجوي (الإياتا) بالشروط والضوابط اللازم اتباعها للفرد والدولة وعن توفيره لعددٍ من الخدمات في موقعه كالخريطة العالمية التفاعلية، التي تمنح بدورها الراغبين بالسفر الاطلاع على الأحكام والقوانين الخاصة بكل دولة، حيث تعتمد الخريطة على قاعدة بيانات تحديث لحظية، والتي تضم معلومات شاملة عن الوثائق المطلوبة خلال السفر الدولي في ظل أزمة وباء كورونا.
هل هناك دول أقل ضررًا ترحب بالزوار دون قيود؟
حتى هذه اللحظة وأثناء كتابتي لهذه المقالة فقد صرحت بعض الدول بشكل رسمي عن آلية عودة الحياة والسياحة فيها بشكل تدريجي مع بعض الشروط كإبراز المسافرين لشهادات صحية أو فحوصات طبية معينة مع إجبارية العزل لمدة 14 يومًا بعد الوصول، بينما ستتكفل بعض الدول كدعم لسياحتها بعلاج وتقديم العزل الطبي للمسافر في حال تعرضه للفايروس ، وقدمت بعض الدول عددًا من العروض والتسهيلات المجانية الأخرى، في حين أيضًا أعلنت بعضها السماح لجيرانها والدول الأعضاء في اتحاداتها بالدخول والزيارة وفق شروط هي الأقل مقارنة مع الزوار من دول أخرى لا تربطها بها علاقات أو شراكات وقد تضطر بعضها لطلب ملفك الشخصي والاجتماعي ومن أين قدمت ومن خالطت ورافقت؟، وسيتم تفعيل السياحة الداخلية أولًا مع برامج قياس الحرارة في جميع الأماكن والقطاعات عبر الأجهزة اليدوية أو الكاميرات الذكية وغيرها.
ماذا لو سافر الجميع وتكيفنا مع الوباء؟
انهارت العديد من المنظومات الصحية في دول عدة وكبرى حول العالم ، بدأت هذه الدول في السيطرة على الوباء بعد فرضها لعدد من سياسات التباعد والعزل ومنع التجول والسفر ، إذ يعني تفشي هذا الوباء دون توفر لقاح هو فقدان العديد من الأرواح والأيدي العاملة في العالم، وكيف ستسمر الحياة في حال سقوط مليارات البشر؟ من سيكون الطبيب ومن سيقلع بطائراتنا صوب وجهتنا؟ في الحقيقة ستكون المعادلة صعبة جدًا، وحسب نتائج استطلاع صادر عن “إياتا” مؤخراً والمتعلق بمخاوف الناس حول السفر بالطائرة بعد انتشار فيروس كورونا فإن أكثر من 80% من المسافرين أكدوا قلقهم حول السفر في الوقت الراهن وفضلوا تأجيل خططهم لحين آخر ، بينما كان لبعضهم تحفظ على مدة الحجر الصحي المفروض من بعض الدول لمدة 14 يومًا كشرط لزيارتها، وكل هذه النتائج من شأنها حتمًا التأثير على عدد الرحلات المستقبلية وأسعار التذاكر وسيصبح الطلب محدودًا ومقتصرًا لمن هو مضطر إلى ذلك.
هل سنفتقد بعض عادات السفر؟
بطبيعة الحال وكلنا يعلم -ولنقل مؤقتًا- بأنا سنفتقد للكثير من عادات السفر البسيطة والروتينية أيضًا!، مثلا أن تتحدث إلى راكب بجوارك على متن الطائرة أو الباص، أو أن تُقدم لك الخدمات العامة كما كانت، أو أن تصبح بنفس القدرة والشجاعة على تجربة وتذوق وشراء شيء ما من الباعة المتجولين، وحتى في دخولنا لمناطق التجمعات، إلى ارتدائنا للكمامات بشكل إجباري في الكثير من المواقع وعلى متن الناقلات، سيصل الأمر لفقد الكثير من الوقت بسبب ضرورة قياس معدلات حرارتنا عند جميع المحلات والمنتزهات، وربما أيضًا تُلغى بعض تذاكرنا لزيارة مكان ما بسبب ظهور إصابة شخص هناك. الكثير من التغيرات لابد أن نكون على استعداد لها والتعايش معها.
هل نسافر بعد رفع القيود مباشرة؟
تتسارع أساليب إدراكنا لحجم هذه الجائحة ومدى سطوتها على كوكبنا، إن همنا اليومي الذي يستحوذ علينا الآن نحن البشر هو سلامتنا وعائلاتنا وأحبائنا، وربطًا بما سلف يجب أن نعي أن قوتنا وتحلينا بالصبر والتفاؤل سيجعل من هذه الرحلة الشاقة أمرًا سهلًا وسنتجاوز كافة مراحلها يومًا ما، علينا حتى في ظل سفرنا الالتزام بسياسات وقواعد حياتنا الجديدة وعدم المخالطة، والتكيف مع كل الظروف المحتملة والأخذ بالاعتبار أن سلامة الإنسان في كل جزء من هذا العالم هي أيضًا من أهم مسؤولياتنا.
زمن مابعد كورونا
بطبيعتنا نحن البشر لم ولن نتعلم أكثر من تعلمنا نتيجة تجربة ما، ولن نتقدم أو نتطور إلا عند احتياجنا لنقلة أو هروب من سقطة وخطر آت ، لذا فلن تكون حياتنا ما قبل فيروس كورونا كما بعده إطلاقاً، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر لن يتأثر قطاع السفر والسياحة جراء هذه الجائحة فحسب، بس سيطول هذا التغير كامل منظومتنا الحياتية والحضارية كالتعليم والعمل والتواصل والمهرجانات والأنشطة الرياضية وكافة سلوكيات الحياة حتى التوصل للقاح مناسب للقضاء على هذا الوباء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالإلـــــه 🚀