في مكانٍ ما على هذا الكوكب
تعيش جماعة من البشر حياةً مختلفةً جدًا!
هنا المنطقة الحدودية بين دولتي إثيوبيا وكينيا
هنا وادي الأومو .. حيث الإنسان المختلف القديم!
بـعد عـدة رحـلات أفـريقيـة لـعام ٢٠١٩ قـررت أن أتوجه الآن لمكان آخر ، يـحتل فـيه الإنـسان الـجانب الأكـبر من الاهتمام والعدسة! ولم أجد في هذه القارة مكانًا أكثر أهمية من وادي الأومو حيث تـعيش العـديد مـن الـقبائـل المـحليـة بـشكـل مـغاير تـمامًا عما اعتدنا رؤيته في حياتنا اليومية.
ففي وادي الأومو يبلغ عدد السكان أكثر من ٢٠٠ ألف نسمة من عـدة شعـوب وقـبائل يـزيد عـددها عن ١٦ عـرقًا، ولعل أهم هذه الـقـبــائـل وأكــثــرهـا حـضــورًا هــي قـبــيــلـة مـرسـي وهـامـر وكـــارو ونـيـانـغـاتـوم والبـنـا وداسـينـش. ومـن بـين الـ ١٦ قـبـيلـة ٤ قـبائـل معـزولة تـمامًا ولا يمكن الوصول لها بسهولة! ، وتعتمد هذه القبائل في كسـب الـرزق على الـزراعة عـند حـدوث الـفيـضانـات الطبيعية في نهر أومو،وعلى الماشية في حال ركود الفيضانات.
وادي الأومو | Omo Valley
ويُعرف أيضًا بـنهر أومـو أو “أومـو بوتيجو”. ويقع وادي الأومـو في جنـوب غـرب دولـة إثـيوبيـا وهو أكبر نهر إثيوبي خـارج حـوض النيل. حيث يبلغ طوله قرابة 760 كيلومترًا. ويصنف هذا النهر كـأحـد مــواقــع الـتـراث الـعـالمـي للـيـونـسـكـو مـنــذ عــام 1980م. وتسمى المنطقة المحيطة بالنهر بـوادي الأومو حيث تعيش على ضفافه العديد من القبائل الأفريقية العريقة.
مطار ومدينة جينكا
وحتى أصل إلى تلك الشعوب اخترت مطار مدينة جينكا كأقرب الخيارات المتاحة لسهولة الوصول إلى منطقة “وادي الأومـو” إذ يعد مطار مدينة جينكا مطارًا محليًا صغيرًا جدًا بالكاد تتوفر فـيـه أهـم الـخـدمـات الأسـاسـيـة المطـلـوب تـوفـرهـا فـي جـميع مطارات الـعالم وحتـى فـيما يـتـعلـق بالأمـن والسـلامـة ، ولـكن عطفًا على هذه المنطقة لا يمكن لنا تخيل أو توقع المزيد من الخـيـارات فـهـو مـطـار مـتـواضـع بـسـيـط كــفــيـل بـخــدمـة هـذه المـنطقة الحـدودية وسكـانها بـشـكل جـيد. أمـا فـيـمـا يـتـعـلـق بمدينة جينكا ، فهي مـدينة صـغيرة ولكـن قـد أستطيع الـقـول أن هـذه المـدينة هـي الـنقطة الأولى والأهم للانطلاق إلى رحلة وادي الأومو ، إذ تتوفر فيها أهم أساسيات الحياة في المقارنة مع الحال عند الوصول إلى قـرى قبائـل الأومـو ، وأهـم ما يجب علـى الـقـادم زيـارتـه هـو سـوق جـيـنـكـا الـشعـبـي يـومـي الـسـبـت والـثـلاثـاء حيـث يـمكـنكم الاطـلاع والـتعـرف عـلى شـكل الـحـياة هناك بصورة أسهل وأسرع وأكثر شمولًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- قبيلة مُرسي | Mursi tribe
أولـى الـقبائـل التـي قـصدتها فـي وادي الأومـو بـرفقة صديقـي “بابي” أحد سكان مدينة جينكا والذي عرفته قبل زيارتي بثلاثة أشهر قمت من خلالها بالإتفاق معه حول زيارة هذه القبائل حتى أتمكن من فهم حياتهم وعاداتهم بشكل أوسع
قـبيلـة مُرسي هي إحدى أهـم وأعرق قـبائل وادي الأومـو والتي يتـوزع سكانهـا على عدد من القرى والهجـر المحاذية لـه وعلـى مقربـة من دولة جنوب السودان، إذ يصل عـدد أفرادهـا إلى ما يقارب من 11 ألف نسمة، يعمل أكثرهم في الرعي والـزراعة.
يتحدث سكان قبيلة مرسي بلغتهم الخاصة والتي تعرف بلغة “مُـرسـي”ويعيش أفرادهـا حيـاةً بدائية جدًا، وتتميز نـساء قبيلة مـرسـي عن غـيرهن مـن نـسـاء الـقبائل الأخـرى بـوضـع أقـراص الـشـفـاه أو مـا يُـعـرف بـ Lip plate والـذي يـصـنـع مـن الحـجر أو الـخـشـب، وذلـك عـنـد بـلـوغ الـفـتـاة سـن الـ ١٥ كـعلامة للجـمال وتـرغـيـب الرجال ، وكـلمـا كان الـقرص أكـبر دل ذلك علـى جـمال أكثر حسب عاداتهم ومفاهيمهم!
حيث تبدأ هذه العملية بوخز صغير أسفل شفاه الفتاة البالغة لعـمر الـ ١٥ ليتـم وضع قـرص صغير الحجم حتى يلتئم الجرح ثـم يـتـم تـغـيـيـره بـقــرص أكـبـر حـجـمًا بــشـكـل تـدريــجـي إلــى أن يـتـم الوصول للحجم المرغوب مع مرور الوقت.
أمـا بالـنسبة لـتـاريخ هـذه العادة فـقـد كـانـت تـستخدم قـديمًا لمـنع الاتـجار بالـبشر حيث يصبح شكل الفتاة مخيفًا فيمتنع المـتاجـرون بالبـشر عـن شـرائها إذا رأوا تـشـوهـًا خـلقيًا كهـذا
أما الآن وعبر الزمـان فقد أصبحت هذه العادة كجزء أساسي من ثـقافة الـجمال والزينة الإجـبارية عنـد نساء قبيلـة مُـرسي.
وبالإضافـة إلى قـرص الـشـفـاه، فحـسـب عـادات قـبـيـلـة مُرسـي فإن النساء المتزوجات فقط هن من يرتدين الملابس الساترة لمنطقة الصدر أما النسـاء غير المتزوجـات فلا يرتدينها كإحدى أهم الثقافات هنا.
وتتزين نساء قبيلة مُرسي بـ الوشم/ أو التاتوه Tattoos : وهو من أقصى عـلامات الجمـال عند نـساء القبيلة وكلما كان أكثر أو أكبر حجمًا دل ذلك على زيادة في نسبة الجمال والزينة.
رجال قبيلة مُرسي:
يُعرف رجال قببلة مُرسي عند سائر القبائل هنا بالقـوة وأشدها ضراوة، وحتى يستطيع الزائر الدخول إلى القرية أو الهجرة فهو بحاجة إلى موافقة رئيسها للتجول أو التقاط الصور مع ضرورة مـرافقة أحـد أفـراد الـقبيلـة لـه، كـما أنـهم لا يـسمحـون للـغـربـاء بـحضور بعـض طـقوسهم دون دفع مقابل مـادي كبيـر لـرئيس القبيلة كإشارة إلى احترام تلك العادات والأعراف.
بيوت قبائل مُرسي:
تعيش قبائل مُرسي في بيوت عشبية قديمة وتتنقل من مكان إلى آخر تزامنًا مع موسم الفيضانات السنوي.
أفارقة مسلحون:
طـوال تجـربتي لزيـارة القبائل أو بـعض القـرى الأفريقية النائية اعتـدت أن يـرافـقنـا عـند مـدخل الـقرية أحـد الرجـال المـسلحيـن بالكلاشنـكوف حيث يعُـد هذا نظامـا متبعا لدخول الغـرباء في كثير من الأحيان -هذا الرجال رافقنا عند منتصف الطريـق-
صور من حياة الناس:
صـور مـتـفـرقـة مـن حـيـاة أفـراد قـبـيـلـة مُـرسـي ، حـيـث تـظـهـر البسمة وتارة الدهشة عند مشاهدة الشخص لصورته على الهاتف المحمول وتارة أخرى بين تقبل للغريب وعدم التقبل.
سعيدة بصورتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢- قـبـيـلة كـارو | Karo
تعد قبيلة كارو واحدة من أصـغر المجموعات العرقية الأصيلة عـلى ضـفـاف وادي الأومــو ، حــيـث يــبـلـغ عــدد أفـرادهـا قـرابـة ٣ آلاف نسمـة ، يـعملون كـباقـي قبائل الأومـو في الزارعة وتـربية الماشية.
يتميـز شـعـب كـارو عن الـعـديـد من القبائـل المجـاورة بالرسـم على الوجه والجسم بشكل يومي بالطباشـير البيضاء والفحم وصـخــرة مــعـدنـيـة صـفــراء وخــام الـحــديــد المـسـحــوق وتـعـد جميعها موارد طـبيعية محـلية فـي المنطـقة
حـيـث يـمـكـن لـشـعـب كــارو تـغـيـيـر الـتصاميـم المـرسومـة عـلـى أجسامهم يوميًا وتغيير محتواها كالنجوم والخطوط البسيطة إلى الزخـارف الحيـوانـيـة مـثل ريـش الطـيـور ، ويـسـتخدم كل من رجـال ونـسـاء كـارو الـصلـصـال لـبـنـاء قـصـات الـشـعـر مما يدل على المكانة والجمال والشجاعة.
وأثـناء الاحـتفالات الشعبية وطقوس القتال بين الـقبائل يقوم رجـال كـارو بـتـغـطـيـة أجـسـادهـم ووجـوهـهـم بالـرماد المـخـلـوط بالدهون ليتمكنوا من إظهار جمالهم وشجاعتهم وجذب انتباه الـنـسـاء لـهـم وتـشـيـر عــلامـات الـجـروح والـنـدوب فـي مـنـطـقـة الصدر على درجات عالية من الشجاعة والقوة.
أما بالنسبة لنساء كارو فيزيد جـمالهن بعد إجراء جـروح في أعماق صدورهن ثم تفرك بالرماد مما يخلـق لهن فرصًا أكثـر للزواج! ، وفـيما يتعلـق بالتَّعَرِّي! فعلى حدٍ سـواء يـمكن ذلك لنساء كارو المتزوجات منهن وغير المتزوجات!
ختام:
أثناء زيارتي لقبيلة كـارو دعاني أحدهـم لإلقاء نـظرة عـلى فـتى يـلـتـف حـولـه الـكـثيـر مـن السـكان، ويـرجـع سبـب ذلك لقصـة شعره “المـبـتكـرة” علـى حـد وصـفهـم، فـقـد غـادر هـذا الفـتـى القرية إلى أمـاكن مجـاورة ثم عـاد إليـهـم الـيوم بشـكل جديد أبهر الجميع!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد عن هذه القبائل يمكنكم الإطلاع على:
قبائل أفريقية | الجزء الثاني
لمشاهدة فيديو الرحلة على يوتيوب اضغط هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عــــــبدالإله 🚀