الثاني والعشرون من شهر فبراير ٢٠١٩
الساعة الواحدة والنصف ظهرًا
تهبط الطائرة التابعة لطيران كوبا في رحلة رقم CM-224 والقادمة من مدينة باناما سيتي عاصمة دولة باناما
هنا مطار كاراكاس الدولي “سيمون بوليفار”
أحمل حقيبتي الصغيرة تلك التي ازداد حجمها بعض الشيء مقارنة بأول يوم بدأت فيه هذه الجولة اللاتينية المرهقة لتصبح أكثر عبئًا على كتفي الذي مازال بإنتظاره حمل حقيبة ظهر أكبر وأكثر حجمًا. أغادر باب الطائرة متجهًا لصالات المطار ، كان في انتظاري مباشرة عند مدخل الصالة “العزيز سلطان” أحد رجال السفارة السعودية في دولة فينيزويلا.
توجهت إلى سلطان مصافحًا (سلطان مبتسم كعادته) مُرحبًا بي في هذه الدولة الإستثنائية بعد رحلة طيران طويلة بدأتها من مونتيفيديو عاصمة أوروغواي.
بدأ سلطان يحدثني عن كاراكاس عاصمة فينيزويلا وعن الحياة هنا وعن حجم الصعوبات والتحديات التي يعيشها الشعب الفينزويلي ، أغنى شعوب العالم بـ “البترول”! وذلك أثناء توجهنا لإتمام إجراءات الدخول ، والتي لم تستغرق منا الكثير من الوقت ، وكان ذلك بفضل دبلوماسية سلطان التي خولتني بالدخول كذلك.
عاد سلطان ليخبرني عن الحال هنا ، عن معدل الجريمة وما يجب عليّ فعله أثناء تواجدي وماهي الإحتياطات المطلوب مني التنبه لها، فقبل ذلك كنت قد تحدثت مع سلطان قبل وصولي إلى فينيزويلا بأسابيع قليلة حول بعض الأمور المهم توفيرها استعدادًا لكل التحديات المحتملة.
إنهاء إجراءات السفر
أثناء تواجدي في مطار كاراكاس الدولي كانت خطتي المسبقة هي البقاء في صالات المطار حتى رحلتي القادمة إلى مدينة Puerto Ordaz إحدى المحطات الإجبارية لمتابعة رحلتي إلى “شلالات الملاك” أعلى شلالات العالم ، ولكن كان لسلطان رأيٌ وهو التوجه في جولة سريعة في المدينة كاراكاس حتى يحين موعد رحلتي الأخرى عند الساعة الرابعة والنصف عصرًا .. لم أتردد كثيرًا فبقائي مع سلطان سيمنحني الكثير من المعلومات المهمة حول فينيزويلا وهذا ما أود الحصول عليه من زيارتي لهذه الدولة الخطرة وخاصة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد.
قام الحرس المرافق لسلطان بتسليم حقيبتي إلى كاونترات شركة الطيران التي ستقلني إلى مدينة Puerto Ordaz وقبل ذلك قمت بأخذ جهاز الكمبيوتر المحمول “والهارد” الخاص بي من تلك الشنطة وسلمتهما لسلطان خوفًا وخشيةً من فقدانهما فكل الأمور محتملة في دولة تعج بمثل هذه الفوضى من فقدان لأدنى مقومات الأمن والنظام.
جولة في كاراكاس
انطلقت برفقة سلطان في جولة سريعة في مدينة كاراكاس عاصمة فينزويلا وأكثر دول العالم في معدلات الجريمة للأعوام الثلاث الماضية قاصدين أحد المطاعم البحرية المفضلة لسلطان والذي يقع خارج كاراكاس قليلا وذلك لأن العاصمة كاراكاس تبعد مسافة ٤٥ كم خلف جبل كبير يفصل المدينة لنصفين.
مشاهد من كاراكاس
لم تكن كاراكاس تلك المدينة التي استطعت من خلالها رؤية أي من مشاهد التطور والحداثة فمعظم المباني في كاراكاس تبدو قديمة جدًا بالإضافة للعديد من الأحياء الشعبية القديمة والمشهورة باسم “الفافيلا” في العديد من الدول اللاتينية والتي تعد من أكثر الأماكن خطورة على مستوى الدولة.
أثناء سيرنا في طرقات المدينة لفت انتباهي طوابير البشرية الممتدة للعديد من الكيلومترات بإنتظار الحصول على رغيف الخبر من أحد مخابز المدينة،
– أنا: ايش الطابور هذا ي سلطان؟
– سلطان : هذا ولا شيء الناس تبغى الخبز من المخبز
– أنا : وليش الخبز معدوم؟
– سلطان : كل شيء في هذا البلد فيه عجز وراح تشوف اللي ماراح يصدقه عقلك وعينك!
أخبرني سلطان قبل ذلك عن رواتب الموظفين هنا وأن إجمالي مرتب البروفيسور في جامعة هو ما يقارب الـ ٦٠ دولارًا أميركيًا وأن متوسط الرواتب هنا هو ١٦ دولارًا شهريًا ، ويحصل الكثير من الأشخاص هنا على مرتب شهري قد لا يتجاوز الـ ٢ دولارًا شهريًا!
أخبرني سلطان أيضًا أن أصطحب قبل وصولي لفينيزويلا العديد من الدولارات ذات الأرقام البسيطة من فئة الدولار والخمسة والعشرة حتى أتمكن من استخدامها هنا ، حيث أن التعامل ببطاقة “الفيزا” أمرُ لا يمكن قبوله هنا بسهولة ، وإن تم قبوله -وهو الأمر النادر- فسيتم الخصم منك أضعاف أضعاف القيمة التي قمت بالشراء بها ، أيضًا من الصعب عليك التعامل بالعملة المحلية (البوليڤار الفنزويلي) وذلك لأن العملة لم تعد لتساوي شيئًا يذكر وربما أن حقيبةً كاملة من المال قد لا تساوي دولارًا واحدًا في الكثير من الأحيان!
أسعار البنزين
من المفارقات العجيبة في فينيزويلا أن سعر تعبئة السيارة بالوقود كاملًا قد لا يكلفك بعض “الهلالات السعودية” وهو الشيء الوحيد الذي يمكن الحصول عليه بهذا الرخص في فينيزويلا ، عدا ذلك يتوجب عليك دفع الكثير من المال مقابل تكاليف الحياة اليومية -هذا بالطبع في حال توفرها- حيث أن البلد يفتقر كثيرًا لمقومات الحياة والكثير من السلع المهمة للحياة اليومية.
أخبرني سلطان عن أحد المواقف الطريفة له أثناء تعبئته ذات مرة لوقود السيارة قائلًا: “فيه مرة ما كان عندي صرف وعبيت السيارة فل وقلت لموظف المحطة ما عندي صرف، قالي : عادي روح مو لازم تدفع!” .. وذلك لرخص قيمة البنزين هنا ولكن يعد البنزين هنا غير نقي أو مصفى بالشكل المطلوب وهو ما قد يسبب العديد من المشكلات لمحرك السيارة مستقبلًا، وأيضًا في العديد من الأوقات قد تضطر للاصطفاف كثيرًا للحصول على الوقود وذلك لعدم توفره في المحطات بشكل منتظم ويعود ذلك للفساد الكبير في عمليات التوزيع في هذا البلد.
العودة للمطار
الساعة ٣:٣٠ عصرًا أعود إلى مطار كاركاس الدولي بعد تناول طعام الغداء برفقة سلطان ، لأتوجه إلى مدينة Puerto Ordaz استعدادًا لمتابعة رحلتي المقصودة.
أنهيت تفتيش أمتعتي بعد وداع سلطان وفي الحقيقة لم تكن في حوزتي حينها إلا حقيبة ظهر تحتوي على العديد من الكاميرات وبعض معداتها بالإضافة إلى كاميرا التصوير الجوية (الدرون) والتي استدعى تفتيشها بعض الوقت قبل السماح لي باصطحابها،،، الآن كل الأمور تسير بالشكل الصحيح أستعد لصعود الطائرة في رحلة قد تستغرق الساعة وربع الساعة مودعًا كاركاس على أمل العودة لها في ختام رحلتي.
على متن الطائرة إلى Puerto Ordaz
أثناء استعدادي للسفر إلى فينيزويلا كنت قد تواصلت مع أحد الأشخاص الفينيزوليين التابعيين لإحدى الشركات السياحية المختصة بترتيب وتنسيق الرحلات إلى “شلالات الملاك” من أجل تجهيز أمور رحلتي قبل الوصول حتى أتمكن من الإستفادة من أكبر قدر ممكن من الوقت أثناء وصولي إلى مدينة “بويرتو أورداز” دون عناء البحث عن شركة هناك لترتيب ذلك ، ولكن ماحدث بالفعل أثناء اتفاقي مع ذلك الفنينزولي لم يكتب لتلك الصفقة أي نجاح ، وذلك بسبب إلحاحه على دفعي للمبلغ كاملًا قبل وصولي بحجة ضرورة تنسيق ذلك مسبقًا وتحويلي للمال بأي طريقة تحويل متاحة ، أما أنا فلا فلم أكن على ثقة تامة به ، ولم أقم بتحويل أي مبالغ مالي مسبقًا مقابل تنسيق رحلة ما ، ولكن طلبت منه إنتظاري في المطار لأقوم بدفع المبلغ له نقدًا عند وصولي ، وذلك لم يرضيه طبعًا ليقوم بتجاهل إتصالاتي ورسائلي في اليوم المحدد لوصولي ، مما استدعى مني التفكير كثيرًا أثناء رحلة الطيران في أيٌ من الحلول الممكنة في بلد لا يمكن التعامل فيه مع أي إنسان بطريقة سهلة وفي مكان لا يعترف بأي زائر في زمن كهذا، ولم أكن أعلم أن الحل سيكون في المقعد المجاور لي على ذات الرحلة بفعل المصادفة فعلًا، حيث كانت تجلس بجواري إحدى الفتيات الممتلىء وجهها بشحوب السفر وعناء الرحلات الطويلة!
سيلڤيا
الفتاة الفينيزولية التي غابت عن هذه الدولة لسنيين عديدة لم تمنح نفسها فيها أي فرصة لزيارتها مجددًا حتى هذا اليوم التي إلتقيتها فيه صدفة على المقعد المجاور لي قبل أن أتردد بسؤالها ألف مرة وذلك لفشلي دائما في الحصول على شخص يتحدث الإنجليزية بشكل متقن في هذه القارة ، أجبرت نفسي على عدم التردد ومبادرتها بالتحية ثم سؤالها عن إمكانية إجادتها للإنجليزية لتجيب بكل ثقة وطلاقة “نعم أستطيع التحدث” ليُخلق عندي أمل جديد في الحصول على المساعدة في الجولة القادمة من التحدي. أخبرتها بكامل القصة قبل هبوط الطائرة وعن تواصلي السابق مع أحد الأشخاص هنا وكيف اختفى بعد ذلك ، وما الذي أود الوصول إليه بالفعل في هذه المنطقة ، لترد عليّ بكل رحمة وشفقة “أنت في أيدي أمينة” ، تلك العبارة التي ما زالت ترددها كلما إلتقيتها في “بويرتو أورداز”.
الوصول إلى بويرتو أورداز
الخامسة والنصف عصرًا بتوقيت بويرتو أورداز إحدى أغلى المدن الفينيزويلية تكلفة والواقعة في ولاية بوليفار في الجزء الشرقي لدولة فينيزويلا. أخرج من الطائرة برقفة سيلفيا الفتاة الفينيزولية العائدة من دولة تشيلي بعد غياب لأكثر من خمس سنوات بحثًا عن لقمة الحياة بعيدًا عن الوطن الذي بات ينزف جراح الظلم والفساد،
نتوجه إلى منطقة إستلام الحقائب في مطار بويرتو أورداز الصغير والمطفء الأنواربشكلٍ ملفتٍ للنظر ، تناولت سيلفيا حقيبتها لأتناول حقيبتي بعدها مباشرة والتي كانت أخف وزنًا من السابق لأعلم حينها أن ثمة شيء سُرق من حقيبتي ولم أكن بحاجة للتفكير كثيرًا ، لقد علمت حينها أني فقدت شنطة بداخلها كانت تحتوي على العديد من اكسسوارات الكاميرات والعديد من البطاريات والعدسات التي لم يكن بمقدوري حملها داخل حقيبتي الصغيرة الممتلئة أيضًا بالكاميرات والمستندات المهمة ، حزنت سيلفيا كثيرًا وقدمت لي الكثير من الإعتذار لما حدث لي في بلدها ثم توجهت سريعًا لمكتب شركة الطيران التي أقلتنا لإبلاغهم بذلك ولكن الموظف كان أكثر وضوحًا وصدقًا إذ أخبرنا أثناء تعبئتنا لإستمارة المطالبة أن هذا لا يعدو كونه ضياعًا للوقت وأنه من الغير الممكن حصولي على مافقدته أو تعويضي من قبل الشركة خاصة في ظل هذه الظروفٍ القاسية تمر بها الدولة على وجه العموم.
الطريق إلى فندق روزا بيلا
في الحقيقة كنت على يقين تام بأن زيارتي لفينيزويلا لن تخلوا من المشكلات ، وأن ثمة أشياء سوف تُفقد في هذه الرحلة وأن تلك الأشياء لا يمكن أن تعود وكل ذلك ليس لسوء الظن مني أو عجزًا عن التفاءل ولكن لعلمي المسبق بالحال التي تمر بها الدولة وعن موعد المظاهرات المرتقبة في اليوم الذي يلي وصولي والذي قد حذرتني منه سفارة السعودية قبل ذلك وأخبرني به الجميع عند وصولي ومنهم سيلفيا وكل وسائل الإعلام المحلية والدولية.
أخبرتني سيلفيا أن عليها انتظار شقيقها القادم إلى المطار لأخذها إلى المنزل وأن عليها أيضًا إيصالي لأحد الفنادق الآمنة في “بويرتو أورداز” حتى نبدأ غدًا في البحث عن وسيلة لمتابعة رحلتي إلى مدينة “كانيما” المحطة قبل الأخيرة لوصولي إلى شلالات الملاك في حال لم تتوقف رحلات الطيران عن الإقلاع بسبب المظاهرات المرتقبة في الدولة غدًا وقد أخبرتني أيضًا أن هنالك ٣ أشخاص فينيزوليين كانوا قد تقدموا قبل قليل ببلاغٍ ضد شخص ماقد أوهمهم بإيصالهم إلى منطقة “كانيما” غدًا بعد أن قاموا بتحويل مبالغ مالية له مقابل ذلك ليتضح لي لاحقًا أنه ذات الشخص الذي طلب مني تحويل مبلغ الرحلة مسبقًا حتى أتمكن من الوصول إلى “كانيما”.
فندق روزا بيلا
أثناء وصولنا إلى مطار بويرتو أورداز كانت الشمس على وشك الغروب وكل المحلات مغلقة في هذا المطار ، حتى سيارات التاكسي لاتتوفر في وقت كهذا مما دعاني لعدم التردد في عرض سيلفيا لايصالي لأحد فنادق المدينة ، توجهت برفقة سيلفيا وشقيقها إلى فندق كانت قد أخبرتني عنه أثناء بقائنا في المطار وأنه بإمكاني الحصول على كامل إحتياجاتي فيه من أكل وشرب وخدمة إنترنت وهو فندق مميز بمواصفات عالمية ولن يتأثر كثيرًا بظروف الحياة هنا.
بعد ربع ساعة من الطريق وصلنا إلى فندق روزا بيلا ، كان بالفعل فندقًا مميزًا في منطقة كهذه ويتمتع بكامل الخدمات والحراسات، أنهيت سريعًا إجراءات تسجيل دخولي بمساعدة سيلفيا على أمل مغادرتي غدًا لمنطقة “كانيما”بعد قضائي لهذه الليلة هنا.
ودعتني سليفيا ، على أن تعود غدًا بالمزيد من المعلومات حول إمكانية مغادرتي إلى كانيما في حال كانت الظروف مناسبة.
اليوم #١ في روزا بيلا
أستيقظ صباحًا عند الساعة الثامنة بعد يوم ممتلىء بالصعاب ، كان كل ما عليّ فعله اليوم هو تأكيد رحلتي إلى “كانايما” جوًا حيث لا خيار آخر لدي للوصول إلى هناك في هذا الموسم. توجهت إلى مكتب الخدمات التي يوفره هذا الفندق للإستفسار عن بعض الأمور المتعلقة بالوصول إلى “كانايما” وإمكانية الحصول على طائرة لنقلي إلى هناك ولكن يبدو أن كل الفرص المحتملة قد باتت ضئيلة وذلك لكون هذااليوم هو يوم السبت وكل الخدمات مغلقة فضلًا عن الأوضاع السياسية المتوترة التي تمر بها الدولة مما أدى لإغلاق الكثير من المحال بشكل مستمر.
لم يكن مكتب خدمات الفندق ليعمل هذا اليوم مع عدم دراية موظفي الفندق بالموعد المحتمل لعودته للعمل وذلك للأسباب الراهنة ولضعف السياح طبعًا في مثل التقلبات مما اضطرني للبحث عن سائق للتوجه إلى المطار بحثًا عن حلول أخرى.
سائق إلى المطار
لم يكن خيار الحصول على سائق ليقلني إلى المطار الذي يبعد عن الفندق مسافة ١٥ كم بالأمر السهل ، فما تعيشه البلاد من ظروف صعبة أدى لقطع البنزين على محطات الوقود وضعف إمداده للمناطق الفرعية ، بالإضافة إلى كل التنبيهات من موظفي الفندق بضرورة الحرص أثناء البحث عن سائق أو تاكسي في بلد تكثر فيه الجريمة والسرقة ، ولكن لابد أن لا يكون هذا السبب حائلًا عن الوصول إلى الهدف. وبعد الحديث مع أحد موظفي الفندق أخبرني أنه بإستطاعته توفير سائق لي ، فهو يملك صديقًا يمتلك المركبة وبامكانه فعل ذلك مقابل مبلغ مالي يُدفع بالدولار. اتفقنا على ذلك وعلى المبلغ المطلوب حتى أتمكن من وصول المطار. وصل السائق ثم توجهت برفقته إلى أحد المجمعات التجارية قبل التوجه إلى المطار حتى أستطيع شراء بعض الوصلات الكهربائي لتعويض ما فقدته منها لشحن هاتفي وكاميراتي وبقية المستلزمات الأخرى وللحصول أيضًا على شريحة اتصال وانترنت لأتمكن من استخدامها عند الحاجة ، ولكن كان المفاجأة والتي لم تكن بالمستغربة طبعًا! هي عدم توفر أهم أسياسيات الحياة اليومية في أهم مجمعات المدينة من مواد غذائية إلى مستلزمات صحية وغيرها ، ولكن قد حصلت على بعض ما قصدته من أحد مراكز الإتصالات المعتمدة لأتمكن بعدها من التوجه إلى المطار بحثًا عن هدفي الأهم.
المطار
بعد أن وصلت إلى المطار كان كل شيء محبط للآمال والتوقعات أيضًا بالحصول على بعض الفرص ولو لحجز رحلة بعد ٣ أو ٤ أيام ولكن ما رأيته كان غير باعث لأي من التفاؤل وذلك لكون المطار شبه مغلق بالكامل ولا توجد به أي من شركات الطيران أو موظفيها وكذلك أي من مندوبي وموظفي الشركات السياحة بإستثناء ٣ أشخاص في مواقع متفرقة ويبدو أنهم يعملون في حسابات فواتير الشركات ليتسنى لي سؤالهم عن امكانية الحصول على رحلة لكانايما حتى مع تحملي لمخاطر الرحلة وتبعاتها ولكن أخبرني جميعهم أن هذا مُحال وأن جميع الرحلات مقيدة من قبل الحكومة ولا يمكن الحصول على أي تصريح بالطيران في الوقت الراهن ولأجل غير معلوم! ، وكل ما كان عليّ فعله هو طلب الحصول على هواتهم للتواصل معهم في حال حصولهم على بعض التحديثات المتعلقة بهذا الأمر لأعود بعدها إلى الفندق معلنًا نهاية يومي الأول.
يوم #٢ التعرف على موظفي الفندق
أعترف اليوم أني فقدت الأمل كاملًا في الحصول على طائرة تقلني إلى كانايما حيث وجهتي الأهم في فينيزويلا وذلك بعد أن أعلن التلفزيون الرسمي لدولة فينيزويلا تعليق المجال الجوي حتى إشعار آخرإذ لم يكن لدي أي خيار لقضاء تلك الأيام غير بقائي في هذا الفندق برفقة موظفيه والقليل من زواره الدبلوماسيين والصحفيين القادمين ليوم أو يومين.
أعترف أيضًا أني “تعرفت” على جميع موظفي الفندق واخترت قضاء أيامي في الحديث معهم وذلك من خلال إقتناص فرص فرغاهم للحديث عن الحياة في فينزويلا وكيف يمكن لهم العيش في بلد يفتقر لأدنى أولويات الحياة والأمن والسلامة.
أخبرني ايدوين ذو الـ ٢٢ عامًا: والعامل في مقهى الفندق بعد ساعتين من الحوار حول حياته هنا وما يحلم به مستقبلًا من أمنيات وطموحات:
“إن ما يهمني الآن هو أن أصنع القهوة التي قدمتها لك بالطريقة التي ترضيك ، لا أحاول الإلتفات كثيرًا لما يحدث بالخارج أو راتبي الشهري الذي لا يتجاوزالـ 14 دولارًا! “.
أخبرني “ايدوين” أن هذا الراتب هو أكثر ما يمكن أن يتقاضاه معظم موظفي هذا الفندق ذي الـ ٥ نجوم باستثاء مدير الفندق والذي يتقاضى مبلغ ٣٣ دولارًا مقابل ٩ ساعات عمل يوميًا وبعض الأيام ١٦ دولارًا وذلك نظرًا لسعر صرف الدولار مع تقلبات العملة.
ختم ايدوين كلامه بـ: “هذا المبلغ غير كافي لشراء حذاءٍ هنا! لذا من الطبيعي أن ترى وتسمع عن حالات القتل والسرقات بالخارج! لا تسألني عن مبررات أخرى ، الكل يريد أن يأكل كي يعيش! لا تتعجب أيضًا عند مشاهدتك لمعلمٍ يبيع الجبن في الشارع بعد نهاية عمله صباحًا في أغنى دولة بالنفط في العالم!”
كان ايدوين فتى طموح يحلم بمستقبل مشرق له ولعائلته وكان يحلم أيضًا بالحصول على إجازة لمدة ٥ أيام لقضاءها بعيدًا عن هموم الحياة في مدينة ساحلية بالجوار ولكن لم يحظى بالموافقة من مديره منذ ٧ أشهر.
اليوم # ٣ في فندق روزا بيلا
وفقًا للتقرير السنوي العالمي لمؤشر الجريمة الصادر عن موسوعة نامبيو المختصة في جمع بيانات الجريمة وفق عدة أليات فإن فينزويلا وتحديدًا العاصمة كاراكاس تحتل المرتبة الأولى في معدلات الجريمة لعام 2019 وحتى لحظة إعدادي لهذا التقرير.
تقول ڤاليري ذات ١٧ ربيعًا وإحدى موظفات فندق روزا بيلا “أعمل كمسوقة لهذا السبأ وأنت ترى أن معظم الوقت الذي نقضيه هنا لا يأتينا أي عدد يُذكر من الزبائن! ، هذا الأمر سوف يعجل بفصلنا بطبيعة الحال ونحن نعلم! ، ولكن سأظل أبحث عن أي عمل حتى أتمكن من مساعدة أسرتي ، استخدمت ڤاليري في حديثها المثل الشهير قائلة:”هنالك مثل معروف قد يستطيع إيجاز الحال في فينزويلا مستعينة بترجمة أحد التطبيقات له حتى أستطيع فهمه:(الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرًا) “.
في الحقيقة لا يمكن تخيل حجم ما تعيشه هذه الدولة من بؤس وشقاء نتيجة الفساد وما آل به الحال إلى أكبر تضخم إقتصادي في زمننا الحالي.
يوم # ٤ جولة في مدينة بويرتو أورداز
بعد أربعة أيام عجاف قضيتها داخل فندق روزا بيلا بمدينة بويرتو أورداز الفينزولية منتظرًا فتح المجال الجوي بعد حظره لزمنٍ غير محدد نتيجة المظاهرات الدامية التي تشهدها البلاد في هذه الفترة ، فضلت اليوم الخروج للمدينة ورؤية الحياة العادية دون أي هدف أو تخطيط يُذكر ، تجاهلت كافة التحذيرات لمغادرة الفندق وماقد يترتب عليه ذلك نظرًا لضعف الأمن وانعدام الحماية من قبل رجال الشرطة فضلًا عن تحذيرات الشعب منهم أصلًا وما قد يمكن تدبيره لك من أضرار في حال شائت الظروف وكنت أحد ضحاياهم من خلال تعاونهم مع بعض العصابات والجماعات وتغطيتهم للقضايا والجرائم تحت مسمى “قضية ضد مجهول“.
اتفقت مع صاحب سيارة لا أعرفه على جوله داخل المدينة بمبلغ قدره ١٠ دولارات مع عملي أن هذا المبلغ قد يعتبر كبيرًا في بعض الأحيان ولكن في حقيقة الحاله هو لا يكفي أصلًا لشراء وجبة طعام لشخصٍ واحد هنا. وافق السائق دون أدنى تردد ، انطلقنا نحو المدينة ليسألني متعجبًا “ماذا تفعل هنا الآن؟” ، أجبته: “أنا سائح” ، رد مبتسمًا : “هل تعلم أنك في أسوءِ لحظات فنيزويلا تاريخيًا؟”أجبته “أعلم” .. ليرد ثانية: ” أنت في خطر طالما كنت هنا ولكن في المقابل أنت في سلام طالما كنت حذرًا وذكيًا!.
بدأ السائق موجهًا لي بعض المعلومات والنصح مستعينًا بهاتفه لترجمة بعض المفردات التي لم يكن بمقدرتي استيعابها من اسبانيته، تجولنا في مدينة ميته أشبه بمدينة رعب إن صح القول، كل المحلات مغلقة ، حظر للتجول ، القليل من البشر والنفايات في كل مكان ، لا أحد يعمل أبدًا ، شلل مستمر منذ أيام ، شركات سيارات عالمية مغلقة ومن الداخل لا توجد أي سيارة! ، وجهت له السؤال – لماذا لا توجد أي سيارة داخل هذه الشركات؟ ليرد السؤال بآخر”من يستطيع الشراء!!؟ ، كل هذه الشركات غادرت الدولة منذ زمن ولم يبقى هنا إلا الأثر. استمرت جولتنا أكثر من ساعتين كان يتحدث فيها بحسرة عن حال مدينته وعن من غادره من أهله وصحبه فالكل يختار الحياة على أي إنتماء آخر ، أخبرني عن تاريخ مدينته السياحي وكيف كانت وكيف أضحت بعد الفساد والظلم واستغلال السلطة. بالمناسبة: هذا الرجل لم يفارقني لـ لحظة ، كان كالظل! إن غادرت السيارة لإلتقاط بعض الصور دون أن أطلب منه أي شيء من هذا النحو – وهذا ما يحدث معي دائمًا في اللاتينية -!
يوم #٥ زيارة مدينة سيوداد بوليڤار Ciudad Bolívar
استمر الحال في فينيزويلا على ماهو عليه ، تعليق العمل لكل الجهات الحكومية والشركات واستمرار للمظاهرات في العاصمة وبعض المدن وعلى الحدود مع دولتي كولومبيا والبرازيل نظرًا لسعي الدولتين على تقديم المساعدات الغذائية لفينيزويلا ورفض رئيسها لذلك بحجة أن الدولة غنية وليست بحاجة للمساعدة من أي جهة كانت في حين حاجة الشعب الماسة لذلك مع تأييد الرئيس الآخر “خوان غوايدو” والذي نصب نفسه رئيسًا للدولة بدعم من دول آخرى كالولايات المتحدة الأميركية والتي هي في الأصل عدوة لسياسات الرئيس الحالي لفينزويلا “نيكولاس مادورو” ليشتعل الحال في دولة تُحكم من قبل رئيسين أحدهما مُعترف به من غالبية الدول والآخر مُعترف به من دولة وبعض حلفائها سئموا سياسات الرئيس الأصلي للدولة وما سببته من فساد ودمار لإقتصاد دولة هي الأغنى في العالم وإن صح القول فهو لم يسمح لهم بالحصول على بعضٍ من مساعيهم وراء هذه التدخلات.
قررت اليوم أن أتوجه بعيدًا بعض الشيء بصحبة سلڤيا عندما أشارت لي بعد أن فقدت الأمر في مساعدتي للحصول على رحلة للتوجه إلى “كانايما” بأن لدي خيار آخر لقضاء يومٍ في مدينة مميزة كانت من أهم مدن فينزويلا تاريخيًا وهي مدينة سيوداد بوليفار عاصمة ولاية بوليفار وأهم مدنها ، والتي تطل على نهر أورينوكو أحد أطول أنهار قارة أميركا الجنوبية ، والمميزة بمبانيها القديمة والملونة. في الحقيقة قبلت العرض بعد أن تمكنا من الحصول على مركبة مستأجرة من أحد الأشخاص بتنسيق من سيلڤيا مقابل ١٠٠ دولار لليوم الواحد لنتوجه إلى سيوداد بوليفار صباحًا على أمل العودة في نفس اليوم قبل غروب الشمس حتى نستطيع تفادي أي مشكلات محتملة من قطاع الطرق والعصابات الملفقة من قبل رجال الأمن في الدولة. وصلنا سيوداد بوليفار بعد ساعة ونصف تقريبًا في مسافة تجاوزت الـ ١٠٠ كيلومترًا مررنا فيها بالعديد من القرى ونقاط التفتيش التي واجهنا فيها رجال الشرطة بطلب أوراقنا الثبوتية مع تفيش المركبة وسؤالنا عن أسباب زيارتنا لهذه المدينة.
كانت سيوداد بوليفار أجمل مما تخيلت فهي مدينة الألوان والشاطىء وقد رُصفت بعض شوارعها بالحصى وتزينت ساحتها الرئيسية “بلازا بوليڤار” بنصب تذكاري لرئيس كولومبيا الكبرى “سيمون بوليڤار” أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا هامًا في تحرير الكثير من دول أميركا اللاتينية التي وقعت تحت طائلة الحكم الإسباني منذ القرن السادس عشر.
تجولنا في سيوداد لأكثر من ٦ ساعات ، زرنا فيها أهم معالم المدينة وتناولنا طعام الغداء في أحد المطاعم الشاطئية فالمدينة هنا تعيش بشكل أفضل مقارنة بحال بقية المدن الفينزولية الأخرى-على أقل تقدير هذا ما رأيته نهارًا ولا أعلم عن الحال بعد مغيب الشمس- ، وقبل غروب الشمس بساعتين غادرنا المدينة عائدين إلى بويرتو أورداز حتى نتمكن من الوصول قبل أن يحل الظلام تفاديًا لأي إحتمال سيء لقدر الله.
يوم #٦ تجربة عيش ٢٤ ساعة بـ ١٥ دولار!
كان يومي الماضي هو اليوم الأكثر إثارة منذ وصولي لهذا الدولة ، استطعت من خلاله العودة لممارسة الحياة والتجول بقليل من الحرية في مدينة سيوداد بوليفار بعد أن اعتدت قضاء أيامي داخل فندق روزا بيلا. وأما اليوم وبعد أن علمت باستمرار حالة الفوضى في البلاد من قبل وسائل الإعلام وبعض أصدقائي موظفي الفندق والذين اعتادوا باطلاعي على جميع مستجدات الحياة هنا كل صباح لا سيما وأني الزائر شبه الوحيد هنا في فندق بهذا الحجم والذي لن يتأثر كثيرًا بأي حال اقتصادي خارجي نظرًا لإرتباطه بسلسلة فنادق عالمية فقد قررت ترك حقائبي هنا والإستعانة بحقيبة صغيرة تحتوي على بعض الضروريات لمغادرة الفندق ومحاولة تجربة العيش في هذه المدينة لمدة ٢٤ ساعة مقابل ١٥ دولار فقط وهي إجمالي ما يمكن تقاضيه في المتوسط شهريًا لموظفي الدولة!
غادرت الفندق مشيًا على الأقدام لمسافة تبعد قرابة الـ ٣ كيلومترات عند الساعة الثامنة صباحًا وكنت قد زودت هاتفي بخاصية حفظ الخرائط لهذه المدينة عبر انترنت الفندق وذلك لتوقف خدمة الإنترنت على شرائح الإتصال منذ مدة، وصلت بعد ذلك لنُزل كنت قد شاهدته عند قيامي بجولة سابقة مع سائق استأجرته لساعتين وما إن دخلت إلى هذا النزل حتى أخبرني موظف الإستقبال أن قيمة الغرفة ليوم واحد هي ٢٠ دولارًا أميركيًا ، غادرت النُزل بحثًا عن آخر بقيمة أقل حتى أستطيع تنفيذ الخطة أو التجربة التي قصدتها لأتمكن من قياس حال الناس هنا وكيف يمكنهم العيش مقابل ١٥ دولار شهريًا ولكن تجربتي للعيش بها لمدة ٢٤ ساعة فقط ، وفي الحقيقة أني فشلت في ذلك بعد بحث استمر لمدة ٥ ساعات فقيمة السكن ليوم واحد لا يمكن أن تقل عن ٢٠ دولارًا بالإضافة إلى عدد النُزل أو الفنادق المتاحة هنا نظرًا للوضع الإقتصادي الراهن، لأتوجه بعد ذلك إلى فندق روزا بيلا معلنًا فشل التجربة والتعجب من حال الناس وكيف يمكنهم العيش بذلك المبلغ المادي البسيط في بلد مرتفع التكلفة دون الحصول على الإجابة منهم أو من تجربتي الفاشلة.
يوم #٧ البحث عن العملة المحلية
إن من أكثر الأمور تعقيدًا وصعوبة في دولة فينيزويلا هي العملة النقدية والصرف ، حيث لن يمكن لك الحصول على أوراق نقدية من أجهزة الصراف أو من أسواق تحويل العملات النقدية والتي أُغلقت أصلًا جراء سقوط قيمة “البوليڤار الفينيزويلي” مقابل الدولار الأميركي إذ أستطيع القول أن حقيبة كاملة من المال بالبوليڤار الفينيزويلي لا تعادل دولارًا واحدًا! ، مع صعوبة الحصول أيضًا على الدولار الأميركي هنا وذلك لحظره ولا يمكن التعامل بشكل علني أو رسمي!.
إذًا كيف يمكن للناس البيع والشراء هنا؟! هذا أمرُ معقد بالفعل! ، وحتى تتمكن من شراء وجبة طعام فأنت أمام خيارين لا أكثر ، أما الخيار الأول وهو قبول البائع منك الدولار الأميركي -وسيقبل البائع غالبًا إن كان المتجر شخصيًا ولا يعود لشركة عالمية- ولكن لن يكون بإستطاعة البائع إعادة ما تبقى من مبلغ الشراء نظرًا لعدم توفر الصرف وستخسر بالتأكيد ما تبقى من مالك إن كنت تستخدم عملات الدولار الكبيرة كفئة الـ ١٠٠ و الـ ٥٠ دولار ، أما الخيار الثاني فإنك ستضطر لتحويل مبلغ الشراء لحساب البائع عبر حوالة داخلية بين بنوك محلية أو بنك دولي إلى بنك البائع المحلي أو بنكه الدولي إن كنت محظوظًا أكثر بإمتلاك البائع لبنك دولي مثل “بنك أوف أميركا” وهو البنك الأكثر شيوعًا بين السكان هنا لحفظ مدخراتهم بعيدًا عن عبث بنوكهم الداخلية وبهذه الطريقة كنت أضطر وباقي الشعب للإنتظار لفترة قد تصل لأكثر من ساعة حتى وصول الحوالة لحساب البائع قبل إستلام الوجبة!أما بالنسبة للدفع بواسطة البطاقات الإتمانية فهو أمرٌ معقد ولا يتم معالجته في معظم المتاجر التي تتوفر بها هذه الخدمة وإن تم قبول العملية فسيتم الخصم منك بمبالغ مضاعفة أكثر من قيمة الشراء الأصلي.
مضى يومي السابع هنا دون أن ألمس أو أرى أي فئة من العملة الفينيزولية “البوليڤار الفينيزويلي” ويرجع ذلك إلى القيمة المعدومة له ولتعاملي بالدولارات الأميركية والتي شارفت على النفاذ بسبب عدم حصولي عادةً على المبلغ المتبقي منها بعد الشراء لعدم توفرها لدى البائع. وفي هذا اليوم تحديدًا توقف مطعم الفندق عن بيع وطهي الطعام لسبب غير محدد مما اضطرني للتوجه إلى أحد المطاعم العالمية بالخارج والذي بدوره رفض قبول الدولار واستخدام البطاقة الإئتمانية لأبقى لأكثر من ٢٤ ساعة دون طعام ودون أي وسيلة لحل هذه المشكلة.
يوم #8 ولادة الأمل
لم يكن اليوم الثامن في فندق روزا بيلا يومًا عاديًا! فهاتفي الذي اعتدت تركه على خيار “صامت” أثناء نومي كالعادة لم ينم مثلي! حتى استيقظت على رنين هاتف الغرفة عند الساعة الـ ٧:١٤ صباحًا لأجيب على مكالمة كانت لمدير الفندق السيد جون باندو الذي بدأها بـ: “صباح الخير ، هل ما زلت نائمًا أيها البطل!” لأجيبه: “صباح الخير ، نعم مازلت كذلك”وفي الحقيقة ظننت في بادىء الأمر أن السيد جون سوف يسألني عن استمراري في الفندق أو عن دفع قيمة السكن للأيام الماضية لكن كان للسيد جون قول آخر: “أود إخبارك أن الحكومة الفينيزولية قد ألغت اليوم قرارها بحظر المجال الجوي ولكن لا أعتقد أن بمقدورك المغادرة الآن لأن الرحلة القادمة والأخيرة لكانياما سوف تغادر عند الثامنة والنصف صباحًا ولكن عليك الإستيقاظ لترتيب رحلة قادمة ليوم الغد في أسرع وقت ممكن ، شكرت السيد جون كثيرًا لألقي بعدها نظرة على هاتفي المحمول والذي كان قد تلقى العديد من الرسائل والإتصالات من عدد من شركات الطيران هنا كنت قد بادلتهم هاتفي لإشعاري بأي جديد حول أوضاع الحظر الجوي ، والعديد من الرسائل والمكالمات من سيلڤيا هي الأخرى لتخبرني بهذا الخبر بعد علم الجميع به لأكون أنا آخر من يعلم!.
هاتفت سيلڤيا لأطلب منها القدوم إلى الفندق وريثما تصل توجهت إلى مدير الفندق لأسأله عن صديق له في إحدى شركات الطيران وعن مدى توفر رحلات ليوم الغد ليخبرني هو الآخر بتوفرها حتى اتفقنا على أن يمنحني بعض الوقت لأقوم بترتيب رحلة مع شركة أخرى أخبرتني عنها سيلڤيا سابقًا أنها الأفضل وأني بإمكاني الدفع لهم عن طريق حوالة بنكية من خلال “بنك أوف أميركا”. توجهت إلى بهو الفندق حيث كانت سيلڤيا بالإنتظار ، وأول ما قالت :”حان موعد الحصاد لابد أن إنتظارك وصبرك قد أثمر ، أنا سعيدة لأجلك” ، شكرتها على مشاعرها وما قامت به لأجلي، لتكمل قائلة : “لقد تواصلت مع الشركة التي أخبرتك بها وكل الترتيبات جاهزة ، كل ما عليك فعله هو تحويل المبلغ المالي وغدًا صباحًا هو موعد رحلتك وستبقى هناك لمدة ٤ أيام كاملة”.
أتممت الحوالة المالية بنجاح على أن أنتظر الغد بفارغ الصبر وعلى أن أقضى اليوم بصحبة كل الأصدقاء في هذه المدينة لأشكرهم على ما قدموه لي من عون ومشاعر.
يوم # ٩ المغادرة إلى كانايما
أثناء جولتي اللاتينية وقبل وصولي إلى دولة فينيزويلا ونظرًا لخطورة الأوضاع الأمنية فيها كنت قد اتخذت قرارًا بعدم البقاء في الدولة أكثر من ٤ إلى ٥ أيام أستطيع فيها – إن لم تتعقد الأمور- الوصول وزيارة شلالات الملاك -سالتو فولز- أطول شلالات العالم ولكن لسوء الحظ لم تنجح الخطة كما رسمت وها أنا اليوم أكمل يومي التاسع هنا لأحلق فيه نحو كانايما تلك المنطقة التي لطالما صبرت كثيرًا حتى أصل لها لتبدأ رحلة الشلالات الأطول.
وبعد أن ودعت جميع أصدقائي هنا في بويرتو أورداز توجهت إلى المطار عند الساعة السابعة والنصف صباحًا حيث العديد من الطائرات الخفيفة من طراز سيسنا 172 وسيسنا 310 ذات المحرك والواحد والمحركين بالإضافة إلى سلسلة من طائرات سيسنا سايتا يشن وغيرها لتحلق بسهولة في مطارات صغيرة غير مجهزة لطائرات بحجم أكبر وأيضًا لضعف الإمكانيات في هذه الدولة. رحب بي كابتن الطائرة بود وتقدير ودعاني إلى إلتقاط صورٍ تذكارية معه ومع طائرتنا التي ستقلنا إلى كانايما ، صعدنا إلى الطائرة بعد ذلك ، لم أرى أي من إجراءات السلامة المتبعة في جميع مطارات العالم قبل إقلاعنا -توكلت على الله- أقعلنا بكل يسر وسهولة ، وها هي “بويرتو أورداز” تبدو أجمل بكثير مما كنت أراها قبل أيام حتى اتخفت ملامحها بخجل تحت السحاب، وما هي إلا ساعة حتى وصلنا إلى كانايما ، بدأنا بالهبوط التدريجي وكانت كانايما أكثر فتنة وجمالا ، فالجبال الشاهقة الخضراء تحدها من كل اتجاه ، والبحيرات في كل بقعة من أرضها ، أما “أورينوكو دلتا” وهو النهر المتفرع في عدة فروع طويلة محاطة بالأشجار جعل من هذه المنطقة رسمًا من خيال. حطت طائرتنا بسلامٍ في مدرج متواضع هو المدرج الأساسي لمطار كانايما البسيط ، لنتجه بعدها إلى منطقة الدخول حيث كان بانتظاري شخص ما ليقلني إلى النُزل الذي سأقضي فيه بعض الوقت ثم أقلع في رحلة قصيرة لمنطقة أخرى لمشاهدة بعض من ملامح “كانايما ناشونال بارك” قبل توجهي غدًا فجرًا في رحلة بحرية عبر قارب خشبي للوصول إلى منطقة شالات الملاك ضمن حديقة كانايما الوطنية.
ملامح من كانايما ناشونال بارك
هنا كانايما .. حاضنة أعلى شلالات العالم (شـلالات سـالـتـو) وبعد قضاء قسط من الراحة في النُزل الذي استأجرته لقضاء ٤ أيام هنا ، أخبرت “الطيار” الذي كان برفقتي أني مستعد الآن للإنطلاق في الرحلة الاستكشافية لحديقة / منتزه كانايما الوطني جوًا ، ومما قد يخفى على الكثير منكم أني قد قمت بالإتفاق مع هذا الطيار للتحليق حول أماكن عدة في منطقة كانايما أثناء بقائي هنا مقابل مبلغ مالي وسيقوم هو بدوره بالدفع للشركة المالكة للطائرة المبلغ الذي يتوجب عليه دفعه حسب الإتفاق بينهم ، فما يهم هنا فقط هو كيفية الحصول على المال دون النظر لأي شيء آخر!. أما عن كيفية الإقلاع والهبوط واستخدام المجال الجوي الفنيزويلي في هذا المنطقة فهو أمر سهل للغاية وكل ما عليهم فعله هو الإقلاع والهبوط دون التنسيق مع أي جهة مراقبة ، فجميع الطائرات المحلقة هنا هي من الطراز الخفيف ، واحتمالية حصول الحوادث الجوية هو أمر وارد في ظل تحليق أكثر من طائرة على المكان والمنطقة والزمان والمستوى ، وفي حال فقط قائد الطائرة تركيزه فيمكن حصول مالا يحمد عقباه! ، ومن ضمن هذه المواقف العجيبة “أذكر أثناء تحليقنا فوق نهر أورينوكو دلتا نبهني كابتن الطائرة حين كنت بالمقعد الذي بجواره مباشرة إلى ضرورة سرعة الإلتفات إلى الأمام ليشير بيده نحو طائرة قادمة في اتجاهنا مباشرة بسرعة فائقة ولولا تنبه الكابتن لحدث مالا نتمنى حدوثه”. وإن سأل أحدكم عن آلية صيانة الطائرات وفحصها قبل الإقلاع فما أود إخباركم به هو أني من خلال التحليق مع هذا الكابتن لم أرى أي شيء من هذا الأمر وكل ما كان يفعله هو تشغيل محرك الطائرة وإطفاءه عندما أطلب منه الإقلاع أو الهبوط في أي مدرج رملي مناسب ولو كان وعرًا! ، فالأمر أشبه تمامًا ودون أي مبالغة “بسائق السيارة عندما تطلب منه التحرك أو التوقف”.
أقلعت طائرتنا في رحلة استكشافية قصيرة فوق سماء حديقة كانايما الوطنية Canaima National Park والتي تبلغ مساحتها حولي 30,000 كيلومتر مربع والواقعة في ولاية بوليڤار والمتصلة مع حدود دولتي البرازيل وغيانا ، إذ تصنف أيضًا هذه الحديقة ضمن مواقع اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1994. أخبرني كابتن الطائرة أثناء تحليقنا عن توجهه للهبوط في إحدى القرى المميزة ضمن نطاق المنتزه ليتسنى لنا تناول طعام الغداء مع سكانها ثم الذهاب في جولة على الأقدام لزيارة مغارة تحتوي على بحيرة شهيرة في هذه المنطقة ويمكن ممارسة رياضة السباحة فيها.
وافقته الفكرة وما إن وصلنا حتى هبط بنا الكابتن على طريق وعر ولست أعلم هل أُعد لهبوط الطائرات في ظل عدم إمكانية وجود لأي سيارة هنا. كان هبوطًا مميزًا مع الكثير من الإثارة التي أيقنت من خلالها بقدرات كابتن الطائرات وإمكانياته من التحليق والهبوط في هذه المناطق لتزداد ثقتي به أكثر وأكثر. كان في إستقبالنا عند نزولنا من الطائرة بعض من أفراد القرية التي لا يتجاوز سكانها قرابة الـ ٢٠ شخصًا مرحبين بنا مع الكثير من التحديق في ملامح شخص مختلف يصل لهنا متجاهلين لأي أسباب أو دوافع دعته لذلك ، فكل ما يهمهم هنا هو العيش وتوفير سبله بأي وسيلة ممكنة. بادلتهم التحية إذ كانوا أكثر ودًا وألفة فلطبيعة المكان وعزلته وقع عن النفس البشرية ، تناولنا طعام الغذاء ثم توجهنا مباشرة إلى المغارة مشيًا لقضاء بعض الوقت في منتزه كانايما الوطني ثم لنعود بعد ذلك جوًا إلى النُزل الذي استأجرته للمبيت في الجزء الآخر من منتزه كانايما الوطني.
أصدقاء جُدد من كانايما
عُدنا إلى مدينة كانايما قبل غروب الشمس وهو الوقت المفضل لي دائمًا للتجول دون أي قيود بعد نهاية يوم مرهق كما الحال في معظم رحلاتي، إلتقيت بالعديد من السكان هنا ، الكل منهم مبتسم ويعمل في نشاط وإخلاص! ، تحدثت إلى أحد السكان الذين يتقنون الإنجليزية نظرًا لعيشه خارج فينيزويلا لعدة سنين اضطر بعدها للعودة حتى يستطيع قضاء ما تبقى من العمر بجوار أسرته كما يقول، أخبرني عن جمال الحياة هنا قديمًا وكيف أصبح المكان موحشًا بعد أن اضطربت حال البلاد وتبدلت من الغنى إلى الفقر والجريمة وكيف تأثرت السياحة في هذا المكان الرائع ، قال أيضًا “نحن نعيش هنا بسلام أكثر من أي مدينة أخرى ، نتأثر قليلاً في المناطق الحدودية ولكن لا يقتل أحدنا الآخر، يعرف كل شخص منا جاره ولكن قد يضطر البعض من للحصول على طعامه من حاوية النفايات في بعض الأيام ، لقد اعتدنا على ذلك ، ثم أكمل “في هذا المكان يتقاضى العمال قرابة ٢ دولار شهريًا ، أعلم أنك لن تصدق هذا ولكن ما يجب عليك تصديقه أنه يجب علينا العمل لـ ٩ساعات يوميًا”. سألته: “وكيف يمكنكم تدبير أمور حياتكم لشهر كامل من خلال هذا المبلغ؟” أجاب: “بالطبع لا يمكن ذلك ، أنا على سبيل المثال أعمل سابقًا ضمن فريق سياحي كـ “دليل” وراتبي الشهري هو ٥ دولارات وقد أحصل على بعض المال الإضافي من خلال (الإكراميات) وأضطر للبحث عن عمل آخر لبقية اليوم أما البعض الآخر من الناس فيتجهون للإنتحار والجريمة ويبيع المخدرات والأعضاء إلى أكثر من ذلك” ، لينهي حديثه بـ “يجب عليك أن تنام مبكرًا فغدًا صباحًا سيكون يومًا شاقًا بالنسبة لك ، ستعبر النهر موسم الجفاف مما سيضطركم لمغادرة القارب كثيرًا والسير في الجزر المجاورة للنهر لتفادي اصطدام القارب بالصخور ، فهذا ليس هو الموسم المناسب للزيارة صديقي. “شكرته على نصحه ثم غادرته على أمل اللقاء بعد عودتي من رحلتي البحرية إلى شلالات الملاك.
أما “باتريشيا” وهي مدبرة النُزل فقد أخبرتني أنهالم ترى أي زائر منذ زمن طويل ، حتى من سكان الدولة ، حيث أخبرها مالك النُزل بقدوم زائر ظهر اليوم وأن عليها تدبير المنزل لأربعة أيام. أخبرتني بزيارتها لشلالات الملاك ٣ مرات وأنها لم تر أجمل من هذا المنظر في حياتها، أخبرتني أيضًا بما يجب عليّ حمله معي وما سوف يتم توفيره من قبل ربان القارب ومساعديه.
رحلة بحرية نحو أعلى شلالات العالم
الخامسة فجرًا قبل شروق الشمس في كانايما ، شخص ما يطرق باب غرفتي مناديًا “بيونس دياز” -صباح الخير بالإسبانية- ، فتحت باب الغرفة لأرى باتريشيا مبتسمة: “هيا إنهم بانتظارك “قمت سريعًا بتجهيز حقيبتي الصغيرة والتي تحتوي على العديد من الكاميرات أكثر من أي شيء آخر لأنطلق نحو النهر حتى أجد ربان القارب وأصدقائه.
وصلت إلى النهر وكان هنالك ٣ أشخاص بانتظاري وهم ربان القارب ومساعديه. اختار الربان قاربًا صغيرًا حتى نتمكن من عبور النهر في حال انخفاض منسوب المياه مع عدم ضمان وصولنا في ظل ظروف كهذه ، إذ انه لا يمكن بالعادة الإبحار في هذا الموسم من السنة ، ولكن لإصراري وافق الربان الذي اتفقت معه في وقت سابق على هذه الرحلة.
-توكلنا على الله- تحرك القارب نحو أعلى شلالات العالم حيث لا خيار آخر للوصول إليها من الأسفل غير الإبحار عبر هذا النهر في رحلة طويلة تزيد عن ٧ ساعات إلى ١٢ ساعة في ظل انخفاض منسوب المياه ، إذ كانت الخطة أن نصل قبل غروب الشمس لنبيت هناك ليلًا ثم نغادر منطقة الشلال صباح اليوم القادم. مضت ساعة كاملة ونحن نبحر بسلام دون أي معوقات حتى توقف القارب فجأة ليشير لنا قائده بضرورة النزول في جزيرة مجاورة والسير لمسافة ٢ كم بالاتجاه المقابل حتى نستطيع ملاقاته هناك حيث سبعبر النهر لوحده حتى ينخفض وزن القارب كي لا يرتطم بالصخور أسفل النهر وذلك لانخفاض منسوب المياه في هذه المنطقة أكثر.
سرنا على الأقدام لمسافة ٢ كم حتى التقينا بقائد القارب من الجهة المقابلة كما اتفقنا لنعود للصعود إلى القارب مرةً أخرى حتى نواصل إبحارنا نحو شلالات الملاك ، ولكن لم يطل إبحارنا هذه المرة إذ اضطررنا مجددًا للنزول والسير على الأقدام لنفس السبب الأول حيث استمر بنا الحال لنكرر فعل ذلك بين الفينة والأخرى وفي الكثير من الوقت نضطر أيضًا لدفع القارب وتقليل حمولته حتى نتجاوز المنحدر الصخري والشلالات وسط نهر Carrao حتى حدث فجأة مالم يتوقعه أحد منا! ، ارتطم قاربنا بعدة صخور حتى انقلب بنا رأسًا على عقب ، نجونا من الموت بأعجوبة ، فقدنا ما نحمله معنا من طعام وزاد وتلفت العديد من آلالات التصوير التي بحوزتي وتمكنت من الحفاظ على بعضها بوضعها مسبقًا داخل حقائب تمنع وصول الماء لها. طلب مني قائد المركب الذهاب إلى ضفة النهر بينما سيتولى هو ومساعديه تسوية القارب مع طلب المساعدة من بعض سكان القرى على ضفاف النهر وبالفعل استطاعوا فعل ذلك بعد أكثر من ساعة ليبدأ بعدها مساعدوا الربان بطرح إقتراح العودة نظرًا لصعوبة المهمة وتضرر القارب من عدة إتجاهات، نظر ربان القارب نحوي بصمت! لأشير له برفضي فهو يعلم تمامًا حجم الصعوبات التي واجهتها حتى تمكنت من الوصول هنا ، فقد أخبرته بالأمس أثناء حوار دار بيننا عن رغبتي وإصراري بالوصول إلى أعلى شلالات العالم ليعدني بذلك ، حتى يفي بوعده الآن ونواصل الإبحار نحو الشلالات مجددًا محملين بالأمل والشجاعة من جديد.
أعلى شلالات العالم | شلالات الملاك Salto Angel
بعد أكثر من سبع ساعات قضيتها برقفة الربان ومساعديه على متن قارب خشبي صغير ، وبين بعضها الآخر سيرًا على الأقدام ، وبين دفع القارب وتسويته مرة وأخرى، هنا شلالات الملاك / سالتو أنجل – أطول أشلالات العالم على الإطلاق! ، مشاعر مزحمة! بعد مغامرة طويلة، أستطيع الآن مشاهدة هذا المنظر الخلاب ومياه الشلال تتساقط من ارتفاع 979 متراً بينما سطح الجبل أشبه بالطاولة والسحب تغطي جزءًا منه في مشهد مبهر! ، يستحق هذا المشهد كل هذا العناء والتحدي ، نعم أستطيع قولها الآن! قيمة الأشياء تصبح أعظم كلما كانت أصعب وأستطيع أن أقول الآن “ها أنا ذا أمام أعلى شلالات العالم!”
بعد نهاية زيارتي لجمهورية فنزويلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمشاهدة فيديو شلالات الملاك على يوتيوب اضغط هنا
عــــــــبدالإله 🚀